رسالة القائد

بسم الله الرحمن الرحيم

الإمام الخامنئي في رسالة تعاطف مع الطلّاب الجامعيين في أمريكا المدافعين عن غزّة
التاريخ يطوي صفحاته وقد وقفتم في الجهة الصحيحة منه
2024/05/30

وجّه قائد الثورة الإسلاميّة، الإمام الخامنئي، رسالة إلى الشباب والطلاب الجامعيّين في الولايات المتحدة الأمريكيّة الذين نزلوا إلى الميدان للدفاع عن أطفال غزّة ونسائها، معرباً فيها عن تعاطفه معهم ومؤازرته لهم، ثمّ قال سماحته لهم أنّ التاريخ يطوي صفحاته وأنّهم في الجهة الصحيحة منه.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

أكتبُ هذهِ الرّسالةَ للشّبابِ الذين حَثّتهُم ضَمائرُهُمِ الحيّةُ على الدّفاعِ عن نساءِ غزّةَ وأطفالِها المظلومين.

أيّها الشبابُ الجامعيّونَ الأعزّاءُ في الوِلاياتِ المتّحدةِ الأمريكيّة! إنّها رسالةُ تعاطفِنا وتآزِرنا معكم. لقد وقفتُمُ الآنَ في الجهةِ الصحيحةِ مِنَ التاريخِ، الذي يَطوي صفحاتِه.

أنتُم تُشكّلونَ الآنَ جزءًا من جبهةِ المقاومةِ، وقد شَرَعتُم بِنضالٍ شريفٍ تَحتَ ضُغوطِ حكومتِكم القاسيةِ، التي تُجاهِرُ بِدفاعِها عن الكيانِ الصهيونيِ الغاصبِ وعديمِ الرَّحمةِ.

إنَّ جبهةَ المقاومةِ العظيمةِ تُكافِحُ منذُ سنينَ، في نقطةٍ بَعيدةٍ [عنكُم]، بالإدراكِ نَفسِهِ وبالمشاعرِ ذاتِها التي تعيشونَها الآنَ. والهَدفُ من هذا الكفاحِ هوَ وَقفُ الظّلمِ الفاضِحِ الذي ألحَقَتهُ شبكةٌ إرهابيّةٌ عديمةُ الرّحمةِ تُدعى الصهيونية بالشّعبِ الفلسطينيِّ، مُنذُ أعوامٍ خَلَت، ومارسَت بِحقّهِ أقسى الضُّغوطِ وأنواعِ الاضطهادِ بعدَ أن احتَلّت بِلادَه.

إنّ الإبادَةَ الجَماعيَّةَ التي يَرتَكِبُها اليومَ نِظامُ الفَصلِ العُنصريِّ الصهيونيِّ، هيَ استمرارٌ لسلوكِه الظّالمِ جدًّا خلالَ العُقودِ الماضية.

إنَّ فِلسطينَ أرضٌ مستقلّةٌ ذاتُ تاريخٍ عَريقٍ، وَشعبٍ يَجمَعُ المُسلمينَ والمسيحيّينَ واليهودَ.

لقد أدخَلَ رَأسماليّو الشبَكَةِ الصَهيونيّةِ بعدَ الحربِ العالميّةِ الأولى، وَبدعمٍ مِنَ الحكومةِ البريطانيّة، عِدَّةَ آلافٍ من الإرهابيّينَ إلى هذهِ الأرضِ على نحوٍ تدريجيٍ، وَهاجَموا مُدُنَها وقُراها، وقَتلوا عشراتِ الآلافِ أو هَجّروهم إلى دولِ الجوارِ، وسَلبوهُمُ البيوتَ والأسواقَ والمزارعَ، ثُمّ أسّسوا في أرضِ فلسطينَ المُغتصبةِ كيانًا يُدعى “إسرائيل”.

إنّ أكبَرَ داعمٍ لهذا الكيانِ الغاصبِ، بعد المساعداتِ البريطانيِّة الأولى، هو حكومةُ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيّةِ التي ما زالَت تُقدّمُ مُختلفَ أنواعِ الدّعمِ السياسيِّ والاقتصاديِّ والتَسليحيِّ لذاكَ الكيانِ بنَحوٍ متواصلٍ، كما أنّها بِمُجازَفَتِها التي لا تُغتَفَر، أشرَعَتِ الطريقَ أمامَهُ لإنتاجِ السلاحِ النوويِّ وأعاَنتهُ في هذا المسار.

لقد انتهَجَ الكيانُ الصَّهيونيُ، مُنذُ اليومِ الأوّل، سياسَةَ القَبضَةِ الحَديديّةِ في تَعاطيهِ مع شَعبِ فِلسطينَ الأعزَل، وضاعفَ، يومًا بعدَ يوم، قَسوتَهُ واغتيالاتَهُ وقَمعَه، مِن دونِ الاكتراثِ لكلِّ القيمِ الوجدانيّةِ والإنسانيّةِ والدينيّةِ.

كما أنَّ الحُكومَةَ الأمريكيّةَ وشركاءَها امتنعوا حتّى عن إبداءِ استيائِهم، ولو لمرّةٍ واحدةٍ، إزاءَ إرهابِ الدولةِ هذا، والظلمِ المتواصِل. واليومَ أيضًا، إنَّ بعضَ تَصريحاتِ حُكومةِ الولاياتِ المُتّحدةِ حَولَ الجريمةِ المروّعةِ في غزّة، هي نِفاقٌ لَيسَ إلّا.

لَقَد انبَثَقَت جَبهةُ المقاومةِ من قلبِ هذهِ الأجواءِ المُظلمةِ، التي يخيّمُ عليها اليأسُ، وعَزّزَ رَفعتَها وقُوّتَها تأسيسُ حكومةِ الجُمهوريّةِ الإسلاميّةِ في إيران.

لقد قدّمَ قادَةُ الصّهيونيّةِ الدوليّةِ، الذينَ يستحوذونَ على مُعظَمِ المُؤسساتِ الإعلاميّةِ في أمريكا وأوروبا أو يُخضِعونَها لنُفوذِ أموالِهم والرِشا، هذهِ المقاومةَ الإنسانيّةَ والشُّجاعةَ على أنّها إرهاب؛ فهَل الشَّعبُ الذي يدافعُ عَن نَفسِهِ في أرضِهِ أمامَ جَرائمِ المُحتلّينَ الصهاينةِ إرهابيٌّ؟! وهل يُعدُّ الدَّعمُ الإنسانيُّ لهذا الشّعبِ وتَعضيدِ أذرعِه دَعمًا للإرهاب؟!

إنَّ قادةَ الغطرسةِ العالميّة لا يَرحمونَ حتّى المفاهيمَ الإنسانيّةَ! إنّهُم يقدّمونَ الكيانَ الإسرائيليَّ الإرهابيَّ عَديمَ الرحمةِ مُدافعًا عن النّفسِ، ويَنعَتونَ مُقاومَةَ فِلسطينَ، التي تُدافِعُ عَن حُريَّتِها وأمنِها وَحقِّها في تقريرِ مَصيرها، بالإرهاب.

أودُّ أن أُطَمئِنَكُم بأنَّ الأوضاعَ في طَورِ التغييرِ اليوم، وأنَّ أمامَ منطقةِ غَربيِ آسيا الحساسةِ مصيرٌ آخَر. لقد صَحَت ضَمائِرُ كَثيرةٌ على مُستَوى العالَم، فالحقيقةُ في طَورِ الظُّهور.

كما أنَّ جبهَةَ المُقاومةِ باتَت قويّةً، وستَغدو أكثر قُوّةً.

التاريخُ يَطوي صَفَحاتِه أيضًا.

وبِمُوازاتِكُم أيّها الطلابُ مِن عشراتِ الجامعاتِ في الولايات المتحدة، نَهَضَتِ الجامعاتُ والنّاسُ في سائر الدولِ أيضًا. إنّ مؤازرةَ أساتذةِ الجامعاتِ ومُسانَدَتَهم لكم، أيّها الطلّاب، حدثٌ مهمٌّ ومؤثّرٌ، يُمكنُ له أن يُريحَ أنفُسَكُم بعضَ الشيءِ إزاءَ سُلوكِ الحكومةِ «البوليسيِّ» الفظّ، والضغوطِ التي تمارِسُها بحقِّكُم. أنا أيضًا أشعر بالتَّعاطِفُ مَعكُم، أيّها الشبابُ، وأُثمّنُ صمودَكُم.

إنّ درسَ القرآنِ الموجّهِ إلينا، نَحنُ المسلمين، وإلى جميعِ الناسِ حولَ العالمِ، هو الثّباتُ على طريقِ الحقّ: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} (هود، 112)، كما أنّ درسَ القرآنِ بشأنِ العلاقاتِ بين البشرِ هو: {لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (البقرة، 279).

جبهةُ المقاومةِ، وبالاستلهامِ مِن هذهِ التعاليمِ والمئاتِ مِن مثيلاتِها والعملِ بها، تَمضي قُدُمًا، وسوفَ تُحقّقُ النّصرَ بإذن الله.

 

أوصيكُم أن تَتَعرّفوا إلى القرآن.

 

السّيد علي الخامنئي
25 ماي 2024

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى جميع الشباب في أوروبا وأمريكا الشمالية

إن الأحداث الأخيرة في فرنسا وما شابهها في بعض الدول الغربية أقنعتني أن أتحدّث إليكم مباشرة.

أتحدّث إليكم أيّها الأعزة دون أن اتجاهل دور والديكم، لأني أرى مستقبل شعبكم وأرضكم بأيديكم، وأرى أن الإحساس بضرورة معرفة الحقيقة في قلوبكم أكثر حيوية ووعياً. وكذلك فإني لا أخاطب السادة والمسؤولين عندكم لأني أتصور أنهم بعلمٍ ودرايةٍ منهم فصلوا درب السياسة عن مسار الصدق والحقيقة.

حديثي معكم عن الإسلام وبصورةٍ خاصةٍ عن الصورة التي يعرضونها عن الإسلام لكم.

قبل عقدين وإلى يومنا هذا، اي بعد انهيار الإتحاد السوفيتي تقريباً جرت محاولات كثيرة لإعطاء هذا الدين العظيم موقع العداء المخيف. وللأسف إن عملية إثارة مشاعر الرعب والفزع والنفور واستغلالها لها ماضٍ طويلٍ في التاريخ السياسي للغرب.

لا أريد هنا أن أتعرض إلى ما يثيرون من أنواع الرعب في قلوب الشعوب الغربية وعند استعراضكم العابر للدراسات التاريخية والنقدية المعاصرة ستجدون كيف تؤنب الكتابات التاريخية الأعمال الكاذبة والمزيِّفة للدول الغربية تجاه سائر الشعوب والثقافات. إن تاريخ أوروبا وأمريكا يطأطئ رأسه خجلاً أمام سلوكه الإسترقاقي والإستعماري وظلمه تجاه الملوّنين وغير المسيحيين. ثم انّ المؤرخين والباحثين لديكم عندما يمرون على عمليات سفك الدماء باسم الدين بين البروتستان والكاثوليك أو باسم القومية والوطنية إبان الحربين العالميين الأولى والثانية يشعرون بالمرارة والإنحطاط.

وهذا بحد ذاته يدعو الى التقدير؛ ولست استهدف من خلال استعادة قسم من هذه القائمة الطويلة جَلد التاريخ ولكني أريد منكم أن تسألوا كل مثقفيكم ونخبكم لماذا لا يستقيظ الوجدان العام في الغرب دائما إلا مع تأخير عشرات السنين وربما المئات من السنين؟ ولماذا كانت عملية النظر في الوجدان العام تتّجه نحو الماضي البعيد وتهمل الأحداث المعاصرة؟

لماذا نجدهم في موضوع مهم من قبيل أسلوب التعاطي مع الثقافة والفكر الإسلامي يمنعون من تكوّن وعي عام لديكم؟

أنتم تعلمون جيداً أن التحقير و إيجاد حالة النفور والرهاب الموهوم من الآخرين تشكل أرضية مشتركة لكل تلك الإستغلالات الظالمة. أريد الآن أن تسألوا أنفسكم لماذا استهدفت سياسة نشر الرعب والنفور القديمة الإسلام والمسلمين بقوة وبشكل لا سابقة لها؟ لماذا يتّجه نظام القوة والسلطة في عالمنا اليوم نحو تهميش الفكر الإسلامي وجرّه الى حالة الإنفعال؟

هل هناك مفاهيم وقيم في الإسلام تزاحم برامج ومشاريع القوى الكبرى وما هي المنافع التي تتوخاها هذه القوى من وراء طرح صورة مشوّهة وخاطئة عن الإسلام. ولهذا فإن طلبي الأوّل منكم أن تتساءلوا وتتحروا عن عوامل هذا التعتيم الواسع ضد الإسلام.

الأمر الثاني الذي أطلبه منكم أن تقوموا كردِّ فعلٍ لسيل الإتهامات والتصورات المسبقة والإعلام السلبي وأن تسعوا لتكوين معرفة مباشرة ودونما واسطة عن هذا الدين. إن المنطق السليم يقتضي أن تدركوا حقيقة الأمور التي يسعون لإبعادكم عنها وتخويفكم منها فما هي وما هي أبعادها وحقيقتها؟

أنا لا أصرّ عليكم أن تقبلوا رؤيتي أو أية رؤية أخرى عن الإسلام، لكني أدعوكم ألّا تسمحوا أن يستفيد هؤلاء من الإدعاءات المرائية للإرهابيين العملاء لهم وتقديمهم لكم بإعتبارهم مندوبي الإسلام. عليكم أن تعرفوا الإسلام من مصادره الأصيلة ومنابعه الأولى. تعرّفوا على الإسلام عبر القرآن الكريم وسيرة الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم). وأودّ هنا أن أتساءل: هل راجعتم قرآن المسلمين مباشرة؟ هل طالعتم أقوال رسول الإسلام(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وتعاليمه الإنسانية والأخلاقية؟ هل اطلعتم على رسالة الإسلام من مصدر آخر غير الإعلام؟ هل سألتم أنفسكم كيف استطاع الإسلام ووفق أية قيم طوال قرون متمادية أن يقيم أكبر حضارة علمية وفكرية في العالم وأن يربي أفضل العلماء والمفكرين؟

أطالبكم ألّا تسمحوا لهم بوضع سدّ عاطفي واحساسي منيع بينكم و بين الواقع عبر رسم صورة سخيفة كاذبة عن الإسلام ليسلبوا منكم إمكانية الحكم الموضوعي. واليوم حيث نرى أن أجهزة التواصل اخترقت الحدود الجغرافية، عليكم ألّا تسمحوا لهم أن يحاصروكم في الحدود الذهنية المصطنعة، وإن كان من غير الممكن لأي أحد أن يملأ الفراغات المستحدثة بشكل فردي ولكن كلاً منكم يستطيع هادئاً لتوعية نفسه وبيئته أن يقيم جسراً من الفكر والإنصاف على هذه الفراغات.

إن هذا التحدي المبرمج من قبل لنوع العلاقة بين الإسلام وبينكم أنتم الشباب أمر مؤلم، لكن بإمكانه أن يثير تساؤلات جديدة في ذهنكم الوقاد والباحث.

إن سعيكم لمعرفة الأجوبة على هذه التساؤلات يشكل فرصة سانحة لكشف الحقائق الجديدة أمامكم،  يجب علیکم أن لا تفوتوا هذه الفرصة للوصول الى الفهم الصحيح ودرك الواقع دون حكم مسبق؛ ولعلّه من آثار تحملّكم هذه المسؤولية تجاه الواقع، أن تقوم الأجيال الآتية بتقييم هذه الفترة من تاريخ التعامل الغربي مع الإسلام، بألمٍ أقل زخماً ووجدانٍ أكثر اطمئناناً.

 

السيد على الخامنئي
25 ماي 2024